فكرة ملحد على طريق الإيمان

 

 

كانستانتين ليفين، من الشخصيات الأكثر إيجابية في رواية "آنا كارينينا" للكاتب المفكّر الروسي "ليو تولستوي"، والإلحاد الذي كان يتّبعه خلال السنوات المقصوصة في الرواية. يتوصل في النهاية إلى طريق الإيمان الصافي .. الخالص … يكتشف طرق جديدة أم يتبع فكرة قديمة متكررة في كل "فطرة سليمة" كما يسميها السيد محمد الغزالي.

 

أما دوره فكان إيجابياً بأنه كان شابّاً طيّباً نشيطاً وبسيطاً، ورث عن أبيه أراضٍ إقطاعية مارس فيها النشاط الزراعي في ضواحي موسكو، وأحبّ كونتيسّة من المدينة وبعد جُهدٍ فاز بقلبها وتزوجها.

يظهر ليفين مُتّبعاً الإلحاد الرائج في عصره .. في نهاية القرن  والمذهب المادي الشائع، بالرغم من أنه نوعاً ما يعتبر "تقليدياً" أكثر من كونه "متّبعاً الموضة" بطريقة معيشته الريفية. تربيته في البيئة المسيحية تركت أثراً كبيراً في روحه من دون أن يشعر، واستبداله الكفر على الإيمان جاء بعد مرحلة مراهقته، عندما أعطى لنفسه الحق في التفكير واختراع الأفكار الجديدة.

في نهاية الرواية، تحديداً في الفصل الثامن، عندما كان يفكر في الموت والحياة، موت أخيه وولادة طفله، أخذ يسأل نفسه عن ماهية الحياة، والأسئلة الأزلية التي يعتبر الإنسان نفسه بأنها "ترتقي بتفكيره" والمحاولات الشتّى لشرحها من المنظور المادية، تذكر نفسه مصلّياً لربه عندما طالت عملية ولادة زوجته لأكثر من 22 ساعة، مستغرباً من نفسه والازدواجية التي بدأت تلفه.. بين التفكير الإلحادي والفعل الديني، ولم يرض لنفسه تلك الحالة كونه إنسان شريف.

(بالمناسبة أذكر طرفة بطلها يشبه صديقنا ليفين: يوماً ما وقع شاب ملحد من طابق علوي، وأخذ يدعو ربه أثناء سقوطه: يا ربي سأصلي، يا ربي سأصوم وأتبع كل الخير .. يا ربي أنقذني ….. وإذ به يقع على كومة قش، يقوم لينفض عن نفسه الغبار ويقول: يااه، ما هذه الأفكار الغريبة الحمقاء التي تخطر للإنسان في مواقف معينة).

ولكن ليفين لم ينهي الموضوع كما أنهاه عبد الله السابق. بل انكب على الكتب مرّة أخرى يبحث عن الجواب، ولا يجده .. يتمزق بين الكلمات الملفقة للمادية والتاريخ الأسود للكنيسة. كان التفكير يؤرقه، إلى .. أن مرت به تلك الحادثة، في يوم ما كان يناقش أحد الفلاحين من القرية المجاورة عن قطعة أرض يؤجرها للسيد كيريلوف في تلك القرية، وسأله عن رأيه فيما إذا كان الأفضل له أن يؤجرها للسيد بلاطون من نفس القرية في الموسم القادم. لكن الفلاح أبى وأخبره أن بلاطون لن يستطيع دفع حسابها، فاستغرب ليفين وسأله عن السبب، فقال فيودر الفلاح:

كيريلوف، يضغط لآخر قطرة يجد فيها مصلحته، لا يرحم فلّاحاً مقابل ربحٍ له. أما بلاطون، فهل سيمزّق روحاً؟ – يعامل الناس بالدَين حيناً وبالمسامحة حيناً آخر.

     ولِمَ يتساهل بلاطون مع العاملين لديه لهذه الدرجة ؟ – استغرب ليفين ، وهو الذي يعرف أن إعطاء قليل من الحرية للفلاح يعني الخسارة الاقتصادية في الزرع

     هكذا ! لأن الناس مختلفين. إنسان يعيش لمصلحته الشخصية فقط، وإنسان يعيش لروحه ويتذكر الله.

     كيف يعيش لروحه ؟؟ وكيف يذكر الله ؟؟؟ – صاح ليفين

     معروفٌ كيف .. يعيش بحقيقة الله.

هذا الحديث ملأ قلب ليفين، فالكلمات البسيطة من فوه فلاح أوضح من تلك الجمل المعقّدة في كتب الفلاسفة.

((( الحياة ليست للمصلحة الشخصية والرغبات .. بل الحياة لله

ليست الحياة التي تملي رغباتنا وتدخلنا فيها، بل الحياة من أجل شيء غير مفهوم، لله الذي لا يستطيع أحد تعريفه.

كل الناس، كل العالم تتفق في أن: الإنسان يعيش من أجل مصلحته، وكلنا نعيش لذلك.

ولكن فيودر قال بكلمة، أن الحياة من أجل المصلحة وحدها خطأ، قد يكون لها نتائج مميتة.

إذا كان الخير لمصلحة .. لن يعود خَيراً !

إذا كان فعل الخير من أجل انتظار الجائزة لن يعود اسمه "خير" بمعنى الكلمة.

بالتالي، فالخير يجب ألا يكون له سبب !!!

وهذا واضح وبسيط فهمه … برغم أننا لا نعرف مصدره. )))

وأن تعيش مدركاً أن حياتك هذه ليست إلا فرصة لإنقاذ روحك ……. قد يعطيك معانٍ كثيرة أخرى …… لم تكن بالحسبان

 

 

 

 

 

2 تعليقان to “فكرة ملحد على طريق الإيمان”

  1. Homam Says:

    سبحان الله
    "وإذا مسّ الإنسانَ الضرُ دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً، فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضرّ مسّه، كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون"
    الآية 17 – يونس
     
    ————————————————اقتباس-
    إذا كان الخير لمصلحة .. لن يعود خَيراً !إذا كان فعل الخير من أجل انتظار الجائزة لن يعود اسمه "خير" بمعنى الكلمة.——————————————————
     
    كلمات من ذهب

  2. 3Assem Says:

    لمثل هذه الكتابات البسيطة و الرائعة في نفس الوقت , أجد نفسي عائدا الى هذه الصفحة ابحث عن الجديدالحمدلله على نعمة الاسلاماتمنى لكي التوفيق من كل قلبيعاصم

أضف تعليق